
تكشف العملية التي أحبطتها فرقة الدرك الوطني عند عبّارة روصو، والتي تم خلالها ضبط شحنة من 23 مضخة ري كانت في طريقها إلى السنغال، عن واحدة من أبرز الإشكاليات التي تواجه القطاع الزراعي الموريتاني اليوم: استنزاف أدوات الدعم الحكومي عبر التهريب المنظّم.
هذه المضخات ليست مجرد معدات تقنية، بل تمثل ركيزة أساسية لجهود الدولة في تعزيز الزراعة الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية. وتخصيصها للمزارعين بأسعار مدعومة يهدف إلى تمكينهم من مواكبة التحولات المناخية وتقوية قدرات الإنتاج.
لكن تهريب مثل هذه المعدات إلى خارج البلاد يعني عمليًا إفراغ الدعم الحكومي من محتواه، وتحويله من وسيلة تنموية إلى أداة للربح السريع لدى بعض التجار والمضاربين، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا على الأمن الغذائي وعلى مصداقية البرامج الزراعية الكبرى التي تراهن عليها الدولة.
كما أن هذه الحوادث تُبرز الدور المحوري للأجهزة الأمنية في حماية الاقتصاد الوطني من النزيف غير المرئي الذي يمثله التهريب، خصوصًا في مناطق العبور الحدودية مثل روصو، التي تشكل شريانًا تجاريًا حيويًا بين موريتانيا والسنغال.
وفي الوقت نفسه، يطرح هذا الواقع تساؤلات جدية حول فعالية الرقابة على شبكات التوزيع، ومتابعة مسار المعدات المدعومة من الموانئ إلى المزارع، ومدى التنسيق بين القطاعات المعنية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الفعليين.
فالتهريب هنا لا يضر فقط بالمؤسسات الاقتصادية، بل يضرب الثقة بين الدولة والمزارع، ويهدد استدامة الدعم الزراعي الذي تراهن عليه الحكومة لتقوية الإنتاج المحلي في مواجهة أزمات الغذاء العالمية.
إن نجاح الدرك الوطني في إحباط هذه العملية يُعد إنذارًا مبكرًا بضرورة إعادة النظر في آليات الرقابة والتوزيع والتتبع، قبل أن تتحول مثل هذه الممارسات إلى نزيف مستمر يجهض آمال البلاد في تحقيق الاكتفاء الذاتي المنشود.